أيقونة الحظ .. وسهام النحس

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
30/01/2008 06:00 AM
GMT



هل هي مصادفة أن يهدي إليك صوت حدأة مارقة بشارة سارة، ويحمل إليك نعياً صوت غراب نعق على حين غفلة؟؟
ما هو التفسير المنطقي لظاهرة التخاطر.. كأن تتذكر صديقا قديما تقطّعت بينكما الأواصر وباعدت بينكما المسافات.. فيهاتفك بعد ساعة؟
وكيف تفسّر فوز ثلاثة من أفراد العائلة نفسها بجائزة اليانصيب في غضون شهور، وهو احتمال لا يتحقق إلاّ بنسبة واحد في المليون؟ وما هو التعليل العلمي لمرور السيدة المعدمة (فارما آدم) مصادفة بسوق شعبية بعيدة لتقدم على شراء لوحة مهملة،لتكتشف أنها مرسومة بريشة جدها الأكبر، وأن قيمتها في الوقت الراهن تربو على العشرة آلاف جنيه؟؟ ثمّة ما هو أغرب: وهو ما حدث للسفينة الغارقة (تايتانيك) التي غرقت في العام 1912 وثارت لغرقها ضجّة لم تهدأ طوال عقود..
في كتاب صدر العام 1898، أي قبل غرق السفينة بأربعة عشر عاما أطلق عليه مؤلفه (مورغان روبرتسون) اسم (حطام تيتان) وتصدر بعد حطام السفينة الغارقة، قائمة الكتب الأكثر مبيعا في بريطانيا وأوروبا... أورد المؤلف في الكتاب تفاصيل غريبة عجيبة عن غرق سفينة ضخمة يعد ارتطامها بجبل جليدي.. هل هي مجرد مصادفة أن يكون اسم السفينة (تيتا) وتغرق بعد اصطدامها بجبل ثلج... ليس التشابه في الاسم والمصير فحسب، فقد أدرج المؤلف وصفا دقيقا للسفينة، اتساعها وعدد ركابها (المقارب للعدد الحقيقي) وتعدّاها إلى وصف حالات الذعر التي دبّت بين الركاب. وصراخهم المتعالي: جبل الثلج.. جبل الثلج.. تفصيلات مذهلة جعلت القلة القليلة الناجية من الغرق وكثير من الباحثين والمحققين يتساءلون: هل هي نبؤة تحققت؟ وهل كانت ثمة قوى خفية تمسك بتلابيب الكاتب وتملي عليه كل تلك التفاصيل؟
قبل شهور قليلة، وفي مماحكات معتادة مع الجدّة المسنة، طلبت الحفيدة (روز) من جدتها أن تملي عليها أرقاما مختارة لتملأ بها ورقة اليانصيب (اللوتاري). أغمضت الجدة عينيها وأملت أرقاما كأنما كانت تستلهمها استلهاما. تلقفتها روز على عجل وهرعت لأقرب مكتب. في تلك الليلة لم ينم أفراد العائلة من شدّة الجذل، إذ اكتشفوا في سحبة ذاك المساء أن الأرقام الفائزة هي أرقامهم، وكانت الجائزة الأولى ثلاثة ملايين جنيه إسترليني...... حين بكروا صباحا للمكتب.. أشار لهم الموظف وهو يدقق في الأرقام إلى حقل صغير في أعلى ورقة الإقتراع.. وببرودة دم قال: الورقة ملعوبة ليوم السبت وليس ليوم البارحة (الأربعاء).. وما بين الدهشة والفجيعة، اكتشفوا أن قطرة حبر بحجم رأس الدبوس وقعت على مربع يوم السبت من سن قلم سقط عنه غطاؤه حشر صدفة في جيب الحقيبة واحتكّ بورقة الإقتراع.
سمه خطأ. فألاً سيئا.. سمه نحسا، صدفة، لكن مثل هذي الظواهر تحدث كل ساعة ولا يجد العامة لها تفسيرا إلاّ وفق نظرية الصدف والاحتمالات فيما يوليها العلماء ومراكز الأبحاث جلّ العناية ويجهدون في تفسيرها على كل محمل علمي جاد يدحض كل شكّ بوقوعها خطأ او اعتباطا أو مصادفة.
أحيانا لا يلازم النحس شخصا معينا فحسب. بل ينسحب ذلك على الأشياء والعمل وعتبات البيوت، فكثيرا ما يقال إن عتبة ذاك البيت شؤم على سكانه، أو ذاك العمل وبال على صاحبه.. من هذا المنطلق ندلف لمتابعة ماحلّ بالسيارة التي كان يستقلها الممثل الوسيم الشاب (جيمس دين) الذي قضى نحبة حين جنحت سيارته عن الطريق وفارقته أنفاسه في الحال.. حين سحبت السيارة لأحد (الكاراجات) افتتن بها صاحب المرآب، فأصلح فيها ما يمكن إصلاحه، لكنه في أول سفرة قام بها اصطدم بشاحنة وأصيب ساقه بعطل دائم.. بيعت ماكنة السيارة لرجل هاو اعتزم تركيبها على سيارة للسباق فقتل سائقها في أول جولة.. وحين عرض هيكل السيارة في معرض الفرجة.. احترقت القاعة لسبب مجهول وكادت النيران تفتك بالزوار لولا تدارك الأمر وإطفاء ضرام النار (التفاصيل مبثوثة في سيرة جيمس دين ومآل سيارته).
أمضى البروفيسور د. ريتشارد وايزمان من جامعة فوردشاير السنوات العشر الأخيرة من عمره يبحث عن ماهية الحظ.. ولماذا ثمة أناس ميسّرة أمورهم وسعداء في حين يلازم النحس بعضهم من ساعة مولده حتى لحظة الممات، وكرّس أبحاثه لإمكانية التوصل لوصفة تمكّن تعساء الحظ من إبعاد شبح الشؤم وإغواء طائر الفأل الحسن أن يقترب ويترفق... وانتهى البروفيسور إلى نتيجة مفادها أن الناس صانعو حظوظهم وأن للصدف نسبة ضئيلة في النجاح والفشل. إنما النسبة العظمى رهينة بالشخص نفسه....
كيف؟؟ بالتفكير الإيجابي، والتصرف العاقل. وردّ الفعل الصائب... بحسن النيّة.. بصفاء النفس ونقاء السريرة. بالتعاطف. بالمحبة. بمد يد العون للمحتاج والضعيف... وإذا جاءت الصدف بما هو خارج المألوف، فلنجندها ونسخرها لتكون عونا لنا لا ضدنا.
أما البروفيسور (بول كاميدري) من جامعة سدني بأستراليا والذي كرّس حياته لدراسة ظواهر ما يسمّى بالصدفة. فإنه يؤكد أن كل ما يحدث على هذه المسكونة يجري بقدر معلوم، وفق ضوابط ومقاسات حسابية هندسية وأن الأحداث وفاعليها مشدودون بأواصر وثيقة غير مرئية. وينسب جلّ الأحداث لعمليات معقدة، هندسية، حسابية، كيميائية فيزيائية، كهرومغناطيسية... ففي الطبيعة كمّ هائل لا يستهان به من عمليات فيزيوكيميائية، وكهرومغناطيسية ومعادن وفلزات.. وفي جسم الإنسان قدر لا يستهان به مما في الطبيعة من عناصر وعمليات.. إذن، لا يمكن الفصل بين الطبيعة وجسم الإنسان الذي هو ذرة من ذرّاتها.. ولا عجب أن تتجاذب الأقطاب أو تتنافر وهذا ما يحدث أثناء ما نطلق عليه حسن طالع أو ساعات نحس، أو حتمية أقدار.